الدكتور أحمد طاهر مدير الدراسات العليا بكلية الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية

من المتعارف عليه في التسويق أن الإدراك هو الذي يحرك السلوك البشري وليس الواقع، إذ يشتري المستهلكون العلامات التجارية التي يعتقدون أنها الأفضل، حي حين أن الخيارات الأخرى قد تكون أفضل أو متساوية الجودة على الأقل، لذلك يمكن اعتبار المسوقين “مديري إدراك”، وهم يحاولون تغيير المفاهيم في حين لا يمكنهم دائمًا تغيير الحقائق.

يوصي المسوقون المستهلكين بشراء علامات تجارية أو أصناف بعينها، وقد يوصون بالشراء من منافذ بيع معينة والدفع بطريقة معينة، وفي الجانب الآخر، يزن المستهلكون هذه التوصيات، ويتّبعون ما هو مفيد منها.

يعدّ مديرو الموارد البشرية كذلك مديرو إدراك، إنهم يديرون تصور الإدارة العليا حول قضايا الموارد البشرية، مثل أهمية مزايا الموظفين ورضاهم، كذلك يديرون تصور المديرين عن مرؤوسيهم وسياسات الشركات التي يعملون لصالحها، كما يديرون تصورات الموظفين حول الشركة والإدارة العليا، وفي حين أن العديد من هذه الأمور في واقعها تكون أسوأ أو أفضل مما يُتصور، يظل الإدراك هو الدافع وراء السلوك.

ما العلامة التجارية؟

تعد العلامة التجارية الوعد الذي يقدّم بصورة مستمرة، لدرجة أن العملاء يتوقعونها ويؤمنون بها ويخبرون الآخرين عنها، لذا تعتبر معظم الأعمال هذه العلامة أثمن ما تمتلكه من أصول.

في المقابل، بالنسبة للمستهلكين، تعدّ العلامة اختصارًا لقرارات الشراء، وإن كانت تكلهم المزيد من المال، فهم يدفعون أكثر لتجنب الأخطاء ويؤمّنون لأسرهم منتجات أكثر صحة، وذات جودة أعلى أو منتجات ذات قيمة أفضل.

أما الأدوار الأخرى التي تؤديها العلامة التجارية، فمتعددة إذ تحدد هوية الصانع، ووتبسّط التعامل مع المنتج، وتقدم الحماية القانونية فضلًا عن الدلالة على الجودة، واستحداث ميزة تنافسية، وزيادة سعر المنتج.

تعمل العلامات التجارية القوية كذلك على تحسين تصور أداء المنتج، وتقليل المنافسة له والأزمات التي يتعرض لها، وتقلل حساسية الأسعار، وتحفز المزيد من التعاون التجاري وولاء المستهلك.

لضمان رسوخ وتماسك العلامة التجارية، يطور مديرو العلامة التجارية عقدًا لها ليوضح تفاصيل وعد العلامة التجارية للمستهلكين والعملاء المحتملين، ويتم استخدامه أيضًا لإيصال معنى العلامة التجارية إلى وكالات الاتصالات وموظفي الاتصال بالعملاء، لكن السؤال الأساسي هو: من الذي سيقدم أداءً راسخًا ومتماسكًا؟ الإجابة هي: الموظفون.

مهام الموارد البشرية

لست موظف موارد بشرية، لكني بحثت عن وظائفهم، وتشمل قائمة طويلة منها التعويضات والرواتب، واستبياناتها والمزايا، وتقييم الوظائف، وتوصيفها، وعلاقات الموظفين، والإجراءات التأديبية، والتحقيقات في الحوادث، وعمليات الشكاوى والتظلم، وعلاقات إدارة العمل، وخدمات الموظفين، والمساعدة التعليمية، وغيرها.

يجب ممارسة كل وظيفة من وظائف الموارد البشرية مع وضع عقد العلامة التجارية في الاعتبار، فعلى سبيل المثال، يحدد عقد العلامة التجارية لسلسلة بيع بالتجزئة للأزياء 5 وعود للمتسوقين: المشورة الصادقة، والأزياء المناسبة والجودة المضمونة والقيمة الجيدة والخدمة المتميزة، والسؤال هنا كيف سيتم الإيفاء بهذه الوعود؟ لدى الموارد البشرية القدرة على تقديم العلامة التجارية وإمكانية ترقيتها عن منافسيها.

بدءًا من تدشين العمل، يجب تعيين جميع الموظفين الجدد، خاصة موظفي الاتصال بالعملاء، مع وضع الوعود الخمسة في الاعتبار، إذ يجب أن يتم اختيار من لديهم النزعة طبيعية لتقديم “المشورة الصادقة والخدمة المتميزة”، ثم يجب تدريبهم على معنى “الأزياء المناسبة”، وكيفية توصيلها، ويجب شرح وعد “القيمة الجيدة” وترسيخه في سياسة التسعير، لكن يجب أن يشعر به العميل كذلك، مع الوضع في الاعتبار أن جزء من هذه “القيمة الجيدة” هو الخدمة التي يقدمها الموظفون، لكن عليهم أيضًا أن يوضحوا للعملاء كيف أن المنتجات التي يحصلون عليها ذات قيمة جيدة.

كذلك، يجب أن يعكس ما يحصل عليه الموظفون المتعاملون مع العميل من مقابل، ولو بصورة جزئية، الجهد الذي يبذلونه للوفاء بالوعود الخمسة، كما يعد تقييم الأداء مجالًا آخر تظهر فيه هذه الوعود، وفي نهاية الأمر، يتعلق الأمر بصورة عامة بإدارة التصورات، داخليًا وخارجيًا.

كلمة أخيرة

يزدهر كل من التسويق (العلامة التجارية) والموارد البشرية بفهم الأشخاص، وكلاهما يستخدم التصورات والدوافع والاحتياجات والأولويات لإدارة السلوك، كذلك كلاهما له جذور في علم النفس وعلم الاجتماع، وكلاهما فن وعلم، وقد كانا آخر من تم تشغيله آليًا بسبب طبيعتهما المعقدة وصعوبة توحيد المعايير، كما أن كلاهما أساسي لتحقيق ميزة تنافسية مستدامة.