محمد الدروي – خبير الموارد البشرية – عضو مجلس الادارة
قانون العمل المصري الجديد رقم 14 لسنة 2025: إصلاح شامل نحو سوق عمل حديثة ومتوازنة
في خطوة تشريعية هامة، أصدر مجلس النواب المصري في مايو 2025 قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، ليحل محل قانون العمل الصادر عام 2003، وذلك بعد سلسلة من الحوارات المجتمعية الواسعة التي ضمت كافة أطراف العمل (الحكومة، منظمات أصحاب الأعمال، واتحادات العمال). يعكس القانون الجديد رؤية الدولة نحو إصلاح بيئة العمل، وتحقيق التوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي وحماية حقوق العاملين، كما يواكب التطورات التكنولوجية والتحولات في أنماط العمل.
أولاً: الفلسفة والأهداف العامة للقانون الجديد
يرتكز القانون على عدة محاور أساسية، أبرزها:
- تعزيز مناخ الاستثمار من خلال إطار تشريعي واضح ومرن.
- حماية حقوق العمال، بما يشمل العمالة غير المنتظمة والعاملة عبر المنصات الإلكترونية.
- إدماج مبدأ الحوكمة والشفافية في العلاقة التعاقدية.
- تمكين المرأة وتكريس مبدأ المساواة وعدم التمييز.
- تنظيم أنماط العمل الحديثة (العمل المرن، عن بُعد، الجزئي، المشترك).
ثانياً: التعاقد وأنماط العمل الجديدة
اعترف القانون ولأول مرة بشكل صريح بوجود أنماط جديدة من علاقات العمل، وأخضعها لنفس الحقوق والواجبات التقليدية، مع مراعاة طبيعة كل نمط. ومن أبرز هذه الأنماط:
- العمل عن بُعد: تنفيذ المهام من خارج مقر المؤسسة باستخدام الوسائل التكنولوجية.
- العمل الجزئي: بعدد ساعات أقل من ساعات العمل الرسمية.
- العمل المرن: ساعات عمل غير متواصلة أو متغيرة بحسب اتفاق الطرفين.
- تقاسم الوظيفة: عمل يتم توزيعه بين أكثر من شخص على أساس زمني أو وظيفي.
وقد أقر القانون وجوب توثيق هذه العلاقات في عقود مكتوبة ورقية أو إلكترونية، تضمن الحقوق والالتزامات، وتتيح للعامل العمل لأكثر من جهة بشرط الحفاظ على أسرار العمل.
ثالثاً: المرأة في قلب الإصلاح التشريعي
من أبرز ملامح القانون الجديد تمكين المرأة في بيئة العمل:
- رفع إجازة الوضع إلى 4 أشهر بأجر كامل، تُمنح لثلاث مرات خلال الخدمة.
- حماية قانونية ضد الفصل أثناء الحمل أو بسبب الزواج.
- الحق في فترتين رضاعة يومياً تُحسب ضمن ساعات العمل.
- إجازة غير مدفوعة لمدة عامين لرعاية الطفل، تُمنح لثلاث مرات.
- إلزام المؤسسات التي تضم أكثر من 100 سيدة بتوفير حضانات داخلية.
كما يمنع القانون أي شكل من أشكال التمييز أو التحرش أو التنمر في بيئة العمل، ويشدد العقوبات على من يثبت ارتكابه لأي من هذه الأفعال.
رابعاً: العلاقة التعاقدية والضمانات القانونية
حدد القانون طبيعة العقود وشروطها:
- العقد غير محدد المدة يُفترض إذا لم يُحدد زمنياً.
- يمنع فصل العامل إلا لأسباب قانونية واضحة.
- الاستقالة لا تُقبل إلا إذا كانت مكتوبة ومعتمدة إداريًا.
- للعامل الحق في الرجوع عن استقالته خلال 10 أيام من إخطار القبول.
- للعامل المدرب على نفقة الشركة واجب التزام بفترة خدمة أو رد التكلفة.
خامساً: التدريب وتراخيص مزاولة الحرف
أنشأ القانون “صندوق التدريب والتأهيل”، بتمويل من اشتراكات رمزية من أصحاب الأعمال، لتمويل برامج تدريبية حديثة. كما ألزم العاملين في بعض المهن الفنية بالحصول على رخصة مزاولة المهنة بعد اجتياز اختبار مهني.
سادساً: حماية العمالة غير المنتظمة
في سابقة تشريعية، أقر القانون حقوقاً واضحة للعمالة غير المنتظمة:
- إدراجهم ضمن منظومة التأمين الاجتماعي.
- ضمان حصولهم على الحد الأدنى للأجور.
- تمكينهم من خدمات الصندوق الاجتماعي والخدمي والصحي.
سابعاً: التسوية القانونية وإنهاء العلاقة العمالية
نص القانون على إنشاء محاكم عمالية متخصصة ومكاتب قانونية مجانية لمساعدة العمال في رفع الدعاوى. كما أوجب منح العامل شهادة خبرة وإعادة جميع مستنداته عند انتهاء الخدمة، وحدد تعويضات عادلة عند الفصل التعسفي أو انتهاء العقد.
ثامناً: منظومة الإجازات العادلة
وسع القانون نظام الإجازات:
- 15 يوماً في السنة الأولى، 21 يوماً من السنة الثانية، 30 يوماً بعد 10 سنوات أو عند بلوغ سن الخمسين.
- 45 يوماً لأصحاب الإعاقات.
- إجازات إضافية للأعمال الشاقة أو في المناطق النائية.
- إجازات طارئة، ودراسية، ومرضية، ودينية لغير المسلمين.
- تسوية رصيد الإجازات كل 3 سنوات أو صرف بدله نقداً.
ختاماً:
يعد قانون العمل الجديد تطوراً تشريعياً يعكس التزام الدولة ببناء سوق عمل عادل ومنتج ومستدام، ويضع مصر على مسار التوافق مع المعايير الدولية في الحماية الاجتماعية وحقوق الإنسان والعمل اللائق.
هذا القانون لا يُمثل فقط نصوصاً تشريعية، بل هو ترجمة لرؤية شاملة لإعادة بناء العلاقة بين العامل وصاحب العمل على أسس حديثة ومتوازنة.